ورود الحق المدير العام
عدد المساهمات : 73 تاريخ التسجيل : 28/06/2011
| موضوع: تبجيل شخصية الرسول (ص).. شرط للتواصل الحضاري 7/28/2011, 11:45 | |
| الحمد لله والصلاة والسلام على سيِّدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد.. فإنّ رسالة الإسلام جاءت عامة مستوعبة لجميع الثقافات والبيئات والهويات والحضارات والديانات والأُمم والشعوب على الرغم من تعددها وتنوعها في الخصوصيات. والقرآن الكريم يؤسِّس لمبدأ التنوُّع والتعدُّد، ويُمهِّد السبيل للإعتراف بالآخر ويدعو إلى التعارف الذي يُحرِّك الرغبة في اكتشاف ما عند الآخر من خصائص ومميزات، يقول تعالى: (يا أيُّها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلنا شعوباً وقبائل لتعارفوا) (الحجرات/ 13). والقرآن قد جعل هذا التعدُّد والتنوُّع آية من آيات الله الدالة على خلقه وقدرته وسمة على عظيم صنعه، فقال سبحانه وتعالى: (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم( الرُّوم/ 22)، وبيّن سبحانه أنّه من سنن الله في الكون، فقال تعالى: (ولو شاء ربُّك لجعل الناس أُمّة واحدة) (هود/ 118). إنّ الإسلام قد جعل من مقاصده العامة إقامة التعاون والوئام بين الناس، والعمل على إبعاد كل ما يجنب البشرية التنافر والصدام، وذلك انطلاقاً من أنّ التعاون بين الناس مبدأ أصيل وحاجة ملحة يتكفّل ما يتوق إليه الناس ويُحقِّق لهم معاني الخير والبر، قال تعالى: (وتعاونوا على البرِّ والتقوى) (المائدة/ 2). إنّ الإسلام قد أقام العلاقات بين الناس جميعاً على أساس المودّة والسلام، قال تعالى: (ادع إلى سبيل ربِّك بالحكمة والموعظة الحسنة) (النحل/ 125)، وأمر المؤمنين أن يلتزموا السلم، فقال سبحانه: (يا أيُّها الذين آمنوا ادخلوا في السِّلم كافَّة) (البقرة/ 208). كما حرَّم الإسلام التمييز بسبب اللون والجنس والقبيلة والبلد ومنع إكراه أحد على الدخول في الإسلام، وقال تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبيَّن الرُّشد من الغيِّ) (البقرة/ 206). وأقرّ التعددية في الفكر والرؤى والنظم والمناهج التي ينبغي أن تكون وسائل لإستباق الخيرات واجتناب الشرور، قال تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً) (المائدة/ 48). إذاً، فالتنوع الثقافي بين الحضارات والشعوب حقيقة قائمة لا جدال حولها وضرورة وحتمية وجودية ودلالة صامتة تعطي العقل موقفاً صحيحاً في التعامل مع الآخر والتسامح بقيام مناخ للتعاون والتعايش السلمي بين الناس استناداً إلى القيم المشتركة المتمثلة في التسامح والود والإخاء والتضامن والإحترام المتبادل. وفي ظل هذه المبادئ والأسس التي جاء بها الإسلام، عاشت شعوب وأُمم شتى تنتمي إلى الديانات والثقافات المتنوعة في كنف الحضارة الإسلامية، تتفاعل فيما بينها وتسهم كلّها في تيار الحضارة الإسلامية وترفدُه بتجاربها الخاصة وخبراتها الذاتية، ويشهد التاريخ للحضارة الإسلامية بسبقها الحضاري في هذا التوجه القائم على الفهم والفهم المتبادل بين الأُمم والشعوب والثقافات والحضارات، حيث كانت بحق نبراساً اهتدت به الإنسانية جمعاء في التعرُّف على هذه المبادئ السامية والإهتداء بها في المسيرة الحضارية الإنسانية. ولقد كانت معاهدة المدينة التي عقدها رسول الله (ص) عند مقدمه المدينة والتي نظمت العلاقات وأبانت الحقوق والواجبات بين المسلمين واليهود وغيرهم بمختلف إنتماءاتهم ومشاربهم ومذاهبهم وثقافاتهم وجعلت منهم أُمّة واحدة، كان تطبيقاً رائعاً لإمكانية التعايش السلمي والفهم والتفاهم في ظل التباين والإختلاف، ولكن في إطار الوحدة الإنسانية. وكان من بنود هذه المعاهدة "أنّ يهود بني عوف أُمّة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ومواليهم وأنفسهم، كذلك لغير بني عوف من اليهود". "وأنّ بينهم النصر على مَن حارب أهل هذه الصحيفة - أي المعاهدة - ". "وأنّ النصر للمظلوم، وأنّ الجار كالنفس غير مضار ولا آثم". وكذلك مَن يطالع تاريخ المسلمين عبر العصور المختلفة في الأندلس إبان الحكم الإسلامي وفي بغداد وفي غيرهما، يجد ما كان يتمتع به أهل الديانات والثقافات والهويات المختلفة بضروب من التسامح في أمن ودعة على نحو غير مسبوق، ولا نظير له في التاريخ الإنساني كلّه، الأمر الذي يؤكِّد على أصالة هذه المبادئ لدى المسلمين. - انحسار هذا الدور وأسبابه غير أنّ العقود الأخيرة شهدت للأسف الشديد انحساراً مقلقاً للدور الحضاري للهوية الثقافية والتفاعل بين الحضارات لأسباب، منها: 1- توقف المسلمين عن دورهم الحضاري والثقافي والإجتماعي ممّا جعل حضارتهم تنكمش وتأثيرهم يضمحل، الأمر الذي أدّى إلى الجهل الشديد بالإسلام والمسلمين وقيمهم ومثلهم وحضارتهم، بل وحاضرهم ومستقبلهم. 2- الجمود والتقليد اللذان سادا الفكر الإسلامي في العصور المتأخرة. 3- ثقافة العولمة التي تريد أن تفرض نمطاً واحداً من التفكير والرؤى، واعتقاد أصحابها بأن حضارتهم وقيمهم هي المثال الذي يجب أن يحتذى عند كل الشعوب، وأنّ مقتضيات التقدم والرقي تستوجب السير في نفس المسار الذي تسير عليه دولهم. فالعولمة الثقافية تسير في طريق القضاء على الفوارق الثقافية والحضارية لتكريس نموذج أوحد، كما يقول محمّد عبدالجبار: "العولمة نظام يقفز على الدول والأُمّة والوطن". ولا شك أنّ هذا يتناقض مع الرؤية الإسلامية للإنسان والكون، بل يتعارض مع القانون الدولي الذي يعترف بالخصوصيات الثقافية والحضارية للأُمم والشعوب. ولذلك فإنّه أمام هذه الهيمنة الثقافية يجب مراعاة "الخصوصية الثقافية" للدول والشعوب في إطار من الإحترام المتبادل، وموقف الإسلام بهذا الخصوص موقف واضح فهو يقرِّر ما بين الناس من الإختلاف والتمايز، ويدعوهم مع ذلك للتعاون المؤدي إلى تبادل المنافع في إطار من التكامل العام. 4- مهاجمة الأُمم في رموزها وخصوصياتها الثقافية والحضارية، ويتجلى ذلك في أمرين: الأوّل: اتهام الثقافة الإسلامية بالتطرُّف والإرهاب والإقصاء والعنف وبأنّها ثقافة ظلامية لا تصلح للزمن التنويري. وقد تتابعت جهود القوى العالمية لإشاعة هذا الإفك وكثرت مساعيهم للنيل من الإسلام ورسالته وتشريعاته بأساليب متعددة مختلفة قديمة وحديثة، إنّهم يريدون للإسلام استئصالاً ولثقافة المسلمين استقصاء ولرايتهم انتكاساً ولهويتهم انهزاماً. هناك إصرار متعمد من الغرب على تصعيد الكراهية والعداء لكل ما هو مسلم، بل بات من المؤكد أنّه كلما حاول المسلمون معالجة هذه الحالة العدائية من خلال حوار حضاري، ومن خلال دعوات التعاون البنّاء والتأكيد على الحوار الهادئ لتوضيح الصورة وإزالة الشكوك، إلا أنّ الدائرة الحاقدة والمعادية لكل ما هو مسلم ظلت تتربص بالمسلمين، وتطلق أسهمها المسمومة عبر موجات من الكراهية، التي تنتجها أدوات الإعلام الغربية من البرامج والأفلام والمسلسلات والكتابات الساقطة والرسوم واللوحات التي تحمل تشويهاً متعمداً لصورة الإسلام والمسلمين وتقديمهم بصورة الإرهابيين الذين لا يزالون يعيشون في الصحراء وينتظرون الفرصة السانحة لإبادة الجنس الغربي. تلك الثقافة السائدة في الغرب والتي تتهمنا نحن بصناعة الإرهاب، بينما هم الذين يفجرون هذه الصناعة ويمهدون لها الطرق بكل ما أوتوا من وسائل الحقد واستعداء الآخرين. الثاني: الإفتراء والإساءة والهجوم على شخص الرسول الكريم (ص) بطريقة بذيئة قبيحة، وصورة آثمة وقحة تؤجج الفتن وتزرع الكراهية وتنمي الأحقاد وتذكي العداوة بين الشعوب، وتحول دون التواصل الحضاري والتعاون بين الشعوب. "وليست هذه الإفتراءات والمطاعن والمواقف من عثرات الرأي والفكر، وإنّما هي شبهات أمعنوا في تصنيفها وبثها بين الناس ولاسيما بين المثقفين عن طريق الإنتاج الفكري المكتوب والمنطوق، بل ومن الحق أن نقول: لم تكن تلك المواقف عثرات ولا شبهات يمكن لصاحب الفضيلة أن يرجع منها، وللملتزم بالحق أن يؤوب إليه وإنّما هي مطاعن حاول أربابها أن يجعلوها حقائق ثابتة وأُموراً مسلمة لا تقبل الجدل والنقاش بل الدفع والرد". والمطلع على هذه الإفتراءات والمطاعن في شخصية الرسول (ص) يكتشف أنّها نشأت عن تعاون وثيق بين الإستعمار والتبشير والإستشراق. وكان من أهم أغراض هذه المطاعن والإفتراءات: - الحيلولة بين الشعوب النصرانية وبين الإسلام عن طريق حجب محاسنه لإقناع قومهم بعدم صلاحيته لهم كنظام حياة، وهذا هو أخطر الجوانب. - فصل المسلمين عن جذورهم الثابتة الأصيلة بتشويه تلك الأُصول وعزلها عن مصادرها. - تكريس التخلف العربي الإسلامي وإيهام المسلمين أنّ التخلف والضعف نتيجة من نتائج إتباعهم وإقتداءهم برسول الله (ص). وفيما يلي نموذج من هذه الإفتراءات والأكاذيب: - قال الكاتب اليهودي ماكسيم: "إنّ تعبد الرسول (ص) في غار حراء ما كان إلا لتأليف القرآن آية آية وسورة سورة، ولمّا انتهى منه خرج إلى الناس قائلاً: إنِّي رسول الله إليكم جميعاً". - وزعم المونسيور كولي: "إنّ محمداً (ص) وضع السيف في أيدي الذين اتبعوه وتساهل في أقدس قوانين الأخلاق ثمّ سمح لأتباعه بالفجور والسلب، ووعد الذين يهلكون في القتال بالإستمتاع الدائم بالملذات". - وقال لامانس: "إنّ محمداً (ص) كان أكولاً ونؤوماً... إلخ". إنّنا أمام كومة من الإساءات والإفتراءات التي ترفضها الفطرة السليمة، ويمجها الخلق الحسن والتي لا تستند إلى أوهى الأدلة العقلية والتاريخية، بل هي تزييف وتشويه للصورة المحمّدية – على صاحبها السلام – ولهذا لا يمكن مناقشتها مناقشة علمية منهجية لأنّها تفتقر أصلاً إلى المصداقية وتقوم على السباب والشتم.. وهي على أحسن احتمال تقوم على فرضيات مغرضة وضعت أصلاً لتبرهن على أهواء في نفوس أصحابها. والسؤال هنا: كيف يمكن الفهم والتفاهم والتفاعل والتواصل الحضاري أمام هذه الإفتراءات والأكاذيب والإساءات؟ إنّ الحوار لا يتم في ظروف ملغمة يعتد فيها أحد الجانبين بآرائه، ويعتقد الكمال في توجهاته، ويسفه أحلام غيره ويوجه الإساءات والإفتراءات إلى الرموز الدينية، فلا يمكن تحقيق أخلاقيات الحوار لدى مَن تهيمن عليهم نزعة الإستعلاء والسفسطة أو أولئك الذين يتخيلون أنّهم يحتكرون الحقيقة. الحوار مطلوب ونحن نؤمن به وندعو إليه، ونحترم الأديان والشعوب، ونرفض نظرية الصراع بين الحضارات، ونؤمن بأنّ البشرية عائلة واحدة يجب أن يعيش كل فرد في سلام وأمان دون تمييز على أساس الإنتماء الديني أو العرقي أو الثقافي. ولكن نرفض المساس بمقدساتنا ومقومات هويتنا الحضارية والثقافية وتشويه صورة الإسلام ورسول البشرية عليه الصلاة والسلام، لأن ذلك من موانع التعاون والتواصل الحضاري. - دورنا تجاه هذا الأمر وينبغي أن يكون دورنا على النحو الآتي: 1- يجب الردّ والإنكار على الإساءات الموجهة إلى الرسول (ص) وبيان مخالفتها لحقائق التاريخ وللموضوعية العلمية، وإعلان النكير وإظهار السخط على مختلف المستويات حمية لديننا وعقيدتنا لتسمع الدنيا كلها بسخطنا لما نال نبيّنا (ص)، ويكون ذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة من تلفزة وإذاعة ومواقع الكترونية وصحف ومجلات وإرسال إيميلات إلى الجهات المعنية، فهذا أوّل الواجبات وأولى الخطوات، وهو لون من التواصي بالحق الذي أمرنا به. 2- الإقبال الصادق على سيرة الرسول (ص) العطرة والإرتشاف من معينها الصافي ورحيقها المختوم للتعرُّف التام على عظمته وكريم شمائله وعظيم صفاته (ص) لنصلح خللاً عشنا عليه طويلاً تمثل في فجوة بيننا وبين سيرته فأفرزت جفوة قست منها بعض القلوب وجفّت منها بعض العيون في وقت شغل فيه الكثيرون بثقافات وافدة سخيفة ولا تسمن ولا تغني. 3- تعريف العالم بهذا الرسول الكريم (ص) وبشمائله وخصائصه وحبّه للإنسانية والعدالة، وذلك عبر وسائل الإعلام الموجهة إلى البلدان المختلفة بلغاتها، وأكاد أجزم إنّ تلك الشعوب أو على الأقل 95% منهم لا يعلمون شيئاً عن رسول الإسلام وسيرته وعدالته وأخلاقه (ص). ولا يعلمون أنّ المسلمين يؤمنون بموسى وعيسى (ع)، ويحبّونهما ويجلّونهما، وهذا تقصير منّا كبير يبلغ إلى حدّ الإجرام، فلو كنّا أوصلنا إلى هؤلاء القوم محاسن شريعتنا وسيرة نبيّنا (ص)، ربّما لم نر هذا اليوم الذي انتهكت فيه حرمة نبيّنا عليه الصلاة والسلام. وينبغي بهذا الصدد الإستشهاد بأقوال بعض المنصفين منهم الذين أنصفوا الإسلام وكتابه ونبيّه (ص) مثل الأديب الإيرلندي (برنارد شو) الذي يقول في كتاب له سمّاه (محمّد) – أحرقته السلطة البريطانية –: "إنّ العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمّد (ص) هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الإحترام والإجلال"، ويضيف: "إنّ محمداً (ص) لو تسلم زمام الحكم في العالم بأسره لكتب له النجاح في تحقيق السلام المنشود للإنسانية جمعاء، وهو رجل عظيم يستحق بجدارة أن نطلق عليه لقب (منقذ الإنسانية)". ويقول الدكتور شبرل النمساوي: "إنّ البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمّد (ص) إليها، إذ إنّه على رغم أُميّته استطاع قبل بضعة عشر قرناً أن يأتي بتشريع سنكون نحن الأوروبيين أسعد ما نكون إذ توصلنا إلى قمته بعد ألفي سنة". ويقول المستشرق جوزيف: "إنّ محمّداً (ص) أعظم المصلحين وإنّ سيرته من أشقّ الأُمور على الدارس والباحث لأن نبوغه من النوع المركب الغريب، فهو بحق أوّل مَن أنهى التفرقة العنصرية في قول بسيط شامل (المسلم أخو المسلم) لقد حلّ القضية في ثلاث كلمات. أمّا اليوم، فمشكلة التفرقة العنصرية انعقدت بشأنها عشرات المؤتمرات ومئات الكتب حاولت معالجتها دون جدوى، ويقيني أنّ الحل لن يأتي في القرن القادم، ومحمّد (ص) قد حلها منذ أربعة عشر قرناً". ويقول الكولونيل بودلي: "إنّ ما يروجه بعض المتعصبين من الكُتّاب والمستشرقين من أباطيل وسخافات عن الإسلام مرجعه أنّهم لم يفهموا محمّداً (ص) وشريعته، بل أصرّوا على عدم فهمه عن عمد وقصد". نعم، هذا هو السبب أو بعضه، فنحن لم نُعرِّف العالم برسول الإنسانية وبشريعته على الوجه المطلوب، ولهذا فإنّ الواقع الحالي يدفعنا وإعادة تفعيل دورها في الحضارة الإنسانية، بل والبحث عن وسائل جديدة وآليات فعّالة لتنشيط عملية التواصل الحضاري هذه، وتيسير سبل التخاطب عن طريق إشاعة مبادئ التسامح وقبول الآخر، وقبول الإختلاف الحضاري والثقافي والتمسك بالخطاب الإيجابي والبُعد عن الخطاب السلبي المؤدي إلى التعصب والتطرف الحضاري والديني، وعدم احترام الثوابت والمعتقدات. وهذا من التسامح الذي يدعو إليه ميثاق الأُمم المتحدة والذي تمّ وضع إعلام المبادئ الخاص به في 6 نوفمبر 1995 كضرورة لنشر السلام وتحقيق التقدم الإجتماعي والإقتصادي للشعوب. وقد عَرَّف إعلان المبادئ التسامح، على النحو التالي: "التسامح هو احترام وقبول وتقرير التعددية الغنية، والتنوع الثري لحضارات العالم وثقافاته وإشكال التعبير وطرائق البشر المختلفة، ويتم تحقيق هذا من خلال تنمية المعرفة والإتصال وحرّية التعبير وعن طريق الضمير والإيمان. والتسامح هو الإتساق داخل الإختلاف، وهو ليس فقط واجباً أخلاقياً ولكنه أيضاً مطلب سياسي وشرعي. إنّ التسامح فضيلة تجعل السلام ممكناً وتساهم في استبعاد ثقافة الحرب وإشاعة ثقافة السلام". التسامح موقف إيجابي يدفع إليه الإعتراف بحقوق الإنسان وبالحرّيات الأساسية للآخرين، ويجب على الأفراد والجماعات والدول ممارسة التسامح لأنّه مسؤولية الجميع الضامنة للحفاظ على حقوق الإنسان وعلى التعددية الثقافية وسيادة القانون، ومع احترام حقوق الإنسان لا يعني التسامح التنازل عن العدالة الإجتماعية أو ارتكاب المظالم أو إضعاف ثوابت الإنسان ومعتقداته، ولكن التسامح يعني أن يتبع الإنسان ثوابته ومعتقداته ويقبل أن يفعل الآخرون نفس الشيء، التسامح يعني قبول حقيقة اختلاف البشر في المظهر والموقف والخطاب والسلوك وفي القيم. التسامح يعني قبول حق الآخر في أن يعيش في سلام، كما يعني عدم فرض آراء الإنسان على الآخرين. بقي أن أشير إلى أمر مهم، وهو: نظراً لأن صورة الإسلام والمسلمين في الغرب مشوّهة، فيجب على المسلمين أن يعملوا على تصحيح صورتهم في الغرب وذلك عن طريق التعريف الصحيح للإسلام والإنكار على السلوكيات المنحرفة لبعض المسلمين سواء في البلاد المسلمة أو المسلمين المقيمين في الدول الغربية وغيرها الذين يساهمون بسلوكياتهم المنحرفة عن روح الإسلام في زيادة تشويه صورة الإسلام لدى الآخرين. ولسنا نقلل من دور الآخر ومسؤوليته في طمس مقومات هويتنا الحضارية وتشويه صورة الإسلام والمسلمين، ولكن المقصود هو أن تصبح معركة تصحيح صورة الإسلام والمسلمين ومواجهة التغيرات الدولية بصفة عامة معركة ذاتية بالدرجة الأُولى تخص المسلمين بدل أن نلقي اللوم على الآخرين. وبناءً عليه، فإنّ الأُمّة الإسلامية مطالبة أكثر من أي وقت مضى بممارسة النقد الذاتي الرشيد والمصارحة الداخلية الإيجابية وذلك لمواجهة التحديات والضغوط التي تتعرّض لها دون إنكفاء أو إلتواء أو تقهقر، ولإيجاد السبل القمينة بإخراجها من أزمتها. وفي نفس الوقت، يجب على الغرب أيضاً أن يحرص على تصحيح الصورة المشوّهة عن الإسلام، والثابتة في وعي الغربيين التي توارثوها جيلاً بعد جيل عن جهل بالإسلام الحقيقي ومفاهيمه الصحيحة وروحانيته السامية. ونحن نعتقد أنّ تصحيح صورة الإسلام في الغرب لن يتم إلا عندما يبدأ الغرب في التخلص من أثر الموروث التاريخي في وعيه وعقله عن الإسلام وحضارته. وعلى الغرب أن ينظر إلى الإسلام بموضوعية وعقلانية، ويطرد من فكره فكرة الأنماط المتجمدة عن الإسلام والمسلمين حتى يرى الإسلام والمسلمين كما هم وليس كما صوّرتهم الكنيسة أو الصهيونية.. وبهذا يمكن تحقيق الوئام والتواصل الحضاري بين الثقافات والهويات على الرغم من تنوعها واختلافها في الخصوصيات. والله من وراء القصد. * كاتب ومفكِّر إسلامي المصدر: مجلة رسالة التقريب/ العدد 61 | |
|