أما التنصير المختفـي فينفَّذ بوسائـل متعددة ومتجدِّدة خاضعة للمراجعة والتقويم الدوري، مطوعةٍ للبيئات التي تعمل بها، ومن أهمها الوسائل الآتية:
1- البعثات الدبلوماسية:
البعثات الدبلوماسية في البلاد الإسلامية عن طريق السفارات الغربية أو القنصليات أو الملحقيات الثقافية والتجارية والمؤسسات الأجنبية الرسمية الأخرى. وعلى أي حال يدرَّب بعض العاملين في المؤسسات الأجنبية الرسمية من سفارات وغيرها على التنصير قبل انخراطهم العملي في السلك الدبلوماسي، ويصدق هذا على العاملين النصارى. ومثال ذلك قصة القنصل البريطاني في زنجبار "جون كرك" الذي دعا سنة 1294هـ-1877م الأمين العام لجمعية الكنيسة التنصيرية "هنري رايت" إلىسرعة إرسال المنصرين، وأكد على أهمية ذلك الدينية والسياسية للوقوف في وجه ما سماه بالامتداد المصري التركي، أي الوقوف في وجه المد الإسلامي
ومما يدخل في أعمال الملحقيات الثقافية الأجنبية، أي غير الإسلامية، في هذا المجال إنشاء المدارس الأجنبية للجاليات الأجنبية وطبعها بالطابع التنصيري في المناهج وأوجه النشاط غير المنهجية، كالثقافية التي يبدو من ظاهرها التعريف بالبلاد التي تمثلها الملحقية، وفي باطنها الدعوة المختفية إلى التنصير، ثم إتاحة المجال لأبناء البلاد وبناتها للانخراط في هذا المدارس على حساب التربية والتعليم المؤهلين بمنهج البلاد ومنطلقاته
2- المستكشفــون:
المستكشفون الجغرافيون في البلاد الإسلامية وغيرها، حيث توفدهم الجامعات والجمعيات العلمية للنظر في قضايا جغرافية وطبيعية علمية تحتاج إلى الوقوف عليها من أمثال "ليفنجستون"، و"ستانلي اللذين بعثا من الجمعية الجغرافية الملكية في بريطانيا في مهمة اكتشاف منابع النيل. وفي "يوغندا" وجد المستكشف "ستانلي" أن الملك "موتيسّا" وحاشيته قد اعتنقوا الإسلام منذ زمن بعيد - حيث سبق المسلمون إلى أفريقيا-، فانزعج "ستانلي" عندما علم أن الحاكم قد اعتنق الإسلام، فسارع إلى إرسال خطاب إلى جريدة الديلي تلغراف، ونُشر الخطاب في 17/10/1292هـ- الموافق 15/11/1875م، وهو يعد نقطة تحوُّل في تاريخ الإسلام الحديث في شرق أفريقيا ووسطها.
وقد بدأ "ستانلي" الخطاب بذكر اعتناق الحاكم "موتيسا" الإسلام على يد تاجر سمَّاه "خميس بن عبدالله" ودعا إلى سرعة إرسال المنصرين والإرساليات، وخاصة من بريطانيا. وركز على عدم تأثير الوعظ وحده فحسب على شعب يوغندا الذكي. كما ركز على أن الرجل المطلوب هو المعلم النصراني الخبير المتمرس الذي يستطيع أن يعلم أفراد الشعب كيف يصبحون نصارى، فيعالج مرضاهم ويبني لهم المساكن، ويعلم الأهلين الزراعة، ويوجه يده إلى أي شيء "كما يفعل الملاح". مثل هذا الرجل سيصبح منقذ أفريقيا من الإسلام.
وكان من تأثير هذا الخطاب أن جمعت التبرعات، ووصلت، في ذلك الوقت، إلى ألفين وأربع مئة [2400] جنيه إسترليني بعد أقلَّ من عام على نشر الخطاب في الجريدة الديلي تلغراف. وقد وزِّع المبلغ على الجمعيات التنصيرية، ومنه أرسلت الإرساليات التنصيرية، كما كان من تأثيره قيام جمعيات تنصيرية مرَّ ذكر شيء منها، مثل الإرسالية الجامعية لوسط أفريقيا وإرسالية كنيسة أسكوتلندة الرسمية. "وتوافد المنصرون على أفريقيا عقب بعثة ليفنجستون وستانلي سنة 1295هـ-1878م، فاقتسموا مناطقها مع اختلاف جنسياتهم بين ألماني واسكوتلندي وإنجليزي ومورافي، وهؤلاء انتشرت إرسالياتهم دون انقطاع من شرق أفريقية إلى أوسطها حتى الخرطوم والحبشة وبلاد الجلا. وجاءت هذه الإرساليات بنتائج حسنة والمستكشفون الجغرافيون يعدون نواةً أو مثالاً أو نموذجًا لاستغلال الأعمال العلمية في تحقيق أهداف غير علمية، مما يؤكد على الخلط بين الأهداف والمقاصد متى ما رأى المخلصون لانتماءاتهم أن ذلك يخدم هذه الانتماءات.
وهكذا يمكن القول إن "الاهتمام الإرسالي في شرق أفريقيا -ككل- كان يإيحاء من د. ليفنجستون (رحلاته
3- التطبيــب:
بعثات التطبيب التي يبدو من ظاهرها الإسهام في مجالات الإغاثة الطبية والصحية، تعمل على خدمة النصرانية والتنصير من خلال إنشاء المستشفيات والمستوصفات والعيادات المتنقلة. وتعمد إلى تشغيل فتيات المجتمع ممرضات ومشرفات اجتماعيات يتمشين مع سياسة هذه المؤسسات الطبية. وقد يكنَّ من بنات المجتمع المتنصرات. وأقرب مثال حي على هذا جهود المنصرة الراحلة "تيريزا"، التي تُدعى بالأم، والحائزة على جائزة نوبل، وما تقوم به في مجال التطبيب من أنشطة على مستوى القارة الهندية بالتركيز، وعلى مستوى العالم الإسلامي بعامة، فقد تحركت في الآونة الأخيرة إلى شمال العراق، حيث محنة المسلمين الأكراد لاتزال قائمة وفيها من المجال الخصب لهذه الأعمال ما لا يخطر على قلب من لم يقف على المشكلة بنفسه.
وكذلك البعثات الطبية في منطقة الخليج العربية التي قدمت إليها منذ سنة 1308هـ-1891م على يد الدكتور "شارون توماس"، ثم الدكتور "آرثر بينيت" بين سنة 1328هـ-1910م وسنة 1323هـ-1915م وتُستغَل البعثات الطبية التنصيرية -كما يقال- في إجراء التجارب حول مدى صلاحية الأدوية التي ترفض هيئات الأغذية والأدوية إجراءها على المجتمع الغربي، قبل أن تثبت فعاليتها في الأرانب أو الفئران، فيؤتى بها إلى المناطق التي تتركز فيها مستشفيات ومستوصفات ومختبرات تنصيرية، فتُجرى فيها التجارب على البشر، ثم يكتب بها تقارير إلى هيئات الأغذية والأدوية الغربية لإقرار استخدامها لتركَّب وتصنَّع ثم تصرف للناس. ومع أن هذا ليس هدفًا لهذه الجمعيات التنصيرية، ولم يكن في يومٍ من الأيام يدور في خلد المنصرين الأوائل، إلا أن بعض المنصرين المعاصرين قد لا يمانعون من مساعدة هذه الهيئات في القيام بالتجارب على البشر خارج الإطار الغربي ويظهر هذا واضحًا أثناء الحروب باستغلال الأسرى لهذه التجارب.
4- التدريب المهني:
بعثات التعليم الصناعي والتدريب المهني تتم من خلال إنشاء المدارس ومراكز التدريب والورش للشباب والشابات، وتستقطب إليها الطاقات. وتخضع لبرامج نظرية فيها دروس حول الثقافة والمجتمع والدين والآداب المبسَّطة التي تنفذ من خلالها التعاليم النصرانية، وذلك يدخل في مفهوم المتطلبات النظرية لاجتياز الدورات التدريبية.
ومن ذلك إسناد الإشراف على المراكز والمدارس المهنية المحلية إلى إدارات أجنبية، ويقوم على التدريب فيها منصرون بلباس الفنيين والمدربين
5- التعليم العالي:
ومن وسائل التنصير بعثات التعليم العالي التي تنشئ الكليات والجامعات والمعاهد العليا في المجتمع المسلم. وأقرب مثال على ذلك وجود الجامعات الأمريكية والفرنسية التي ثبت أنها تعمل بين المسلمين في مجالات التنصير، ومجالات خدمة الوجهة الغربية، كالعمل الاستخباراتي لصالح الحكومات التي تدعم هذه المؤسسات التعليمية العليا. وتخرج الجامعات مجموعات كبيرة من أبناء المسلمين، يكون لها زمام المبادرة في شغل المناصب العليا ذات التأثير الإداري والثقافي والأدبي والسياسي، بل والديني أحيانًا. وتُلمَّع هذه المجموعة المتخرِّجة من الجامعات الأجنبية، وتُعطى الهالة الإعلامية، وتساند بعضها في المناسبات العلمية والثقافية والأدبية وغيرها.
وهذه ظاهرة تستحق وحدها -في نظري- الدراسة. وفي هذا المجال يقول "بيزوز"الذي تسلَّم رئاسة الجامعة الأمريكية في بيروت سنة 1369هـ-1948م، وكانت تُسمَّى حينئذٍ بالكلية البروتستاتية الإنجيلية: "لقد أدى البرهان إلى أن التعليم أثمن وسيلة استغلَّها المبشرون الأمريكيون في سعيهم لتنصير سورية ولبنان، ومن أجل ذلك تقرَّر أن يُختار رئيس الكلية البروتستاتية الإنجيلية من مبشري الإرسالية السورية".
ولا تخفي هذه الجامعات والمعاهد العليا نزعتها التنصيرية، إلا في الأوقات التي تجد فيها من المصلحة أن تسير مع تيار يسيطر على الساحة، كما سارت مع تيار القومية الذي شاع ردحًا من الزمن وكما يتوقع لها أن تسير مع تيار الصحوة التي تسميها بالأصولية لدراستها من منظور تنصيري استشراقي، يعمد إلى تشويهها ونعت أبنائها بالتطرف والإرهاب وإلى تشويه أفكار من يدرسها أو يعمد إلى تبني هذا التوجُّه.
ومن إسهامات بعثات التعليم اشتراكها في وضع المناهج التربوية لبعض المراحل العليا، بل ربما أسند إليها التخطيط الشامل للتعليم العالي على المدى البعيد. ويعين على هذه الوسيلة إضعاف المؤسسات العلمية والتعليمية الدينية في البلاد العربية والإسلامية، فقد تعرَّض الأزهر جامعًا وجامعة إلى حملات متتابعة أدت إلى إضعافه والعمل على تحويله إلى مؤسسة تعليمية (مدنية)، وتتعرض المؤسسات التعليمية الدينية الأخرى في مصر وفي غير مصر لمثل هذه الحملات التي يراد للمؤسسات التعليمية الغربية أن تحلَّ محلها في مناهجها وتخطيطها وطريقتها في التربية والتعليم. وتزداد الحملة على هذه المؤسسات في ضوء التطورات والأحداث التي حصلت للمنطقة في الآونة الأخيرة.
وفي الفصل الرابع من كتاب وسائل التبشير بالنصرانية بين المسلمين يصِرُّ المنصِّر "فلمنج" على ضرورة "إنشاء مدرسة جامعة نصرانية تقوم الكنيسة بنفقاتها وتكون مشتركة بين الكنائس المسيحية في الدنيا على اختلاف مذاهبها لتتمكن من مزاحمة الأزهر بسهولة".
كما يقول "جاردنر" السكرتير العام لجمعية الطلبة النصارى: " إن من سداد الرأي منع جامعة الأزهر أن تنشر الطلبة المتخرجين فيها في جنوب أفريقيا اتباعًا لقرار مؤتمر التبشير العام، لأن الإسلام ينمو بلا انقطاع في كل أفريقيا".
6- الإغـاثــــة:
بعثات الإغاثة، حيث يهُبُّ الجميع رجالاً ونساءً، صغارًا وكبارًا يجلبون معهم المؤن والملابس والخيام وغيرها، ويقدمونها على أنها نعمة من عيسى بن مريم -عليهما السلام- سواء أكان هذا الإيحاء واضحًا بالرموز والشعارات، أم بطريق خفي يصلون إليه بحذر خوف الابتعاد عنهم, أو التحريض عليهم من قبل المتنبهين.
ويحرص المنصرون على "دراسة أقوال المسلمين وعاداتهم، ثم التردد إليهم كي يأنسوا إليهم، فلايستغرب أن يستغل هؤلاء تدهور الحالة الاجتماعية والاقتصادية للمسلمين، وسقوط أغلبهم ضحية الفقر المدقع، الخصاصة والمجاعة، والأوبئة، ليتصلوا بهم مقدمين لهم المساعدات، خاصة للنساء والأطفال".
ومعلوم الآن أنَّ ميزانيات المنصرين في هذا المجال تخطَّت المئة وثمانين مليار دولار سنويًا [180.000.000.000]، ولو حصرت ميزانيات الهيئات الإغاثية الإسلامية العاملة في الساحة لما وصلت - على حدِّ علمي- إلى مليار دولار [1.000.000.000] سنويًا
أما عدد الجمعيات التنصيرية العاملة في الإغاثة بالمقارنة بالجمعيات الإسلامية العاملة في المجال نفسه فإنها تفوق كثيرًا, وبأعداد غير قابلة للمقارنة.
ولو ضربنا مثالاً على ذلك في أرض الأفغان اليوم التي عانت من الحروب لأكثر من خمسٍ وعشرين سنة لوجدنا أنّ عدد الجمعيات الإسلامية العاملة في الإغاثة لا يزيد عن سبع جمعيات, في مقابل مئتين وخمسين جمعية إغاثة تنصيرية من مجموع ست مئة جمعية إغاثية. وقد أفادني بهذا بعض العاملين في مجال الإغاثة الإسلامية في الأرض الأفغانية.
7- المــــــرأة:
استغلال المرأة المسلمة وغير المسلمة يُعدُّ من أبرز وسائل المنصرين. وللمرأة تأثيرها على الحياة كلها. ولها من القدرات ما يمكن استغلالها في تحقيق أهداف المنصرين وغير المنصرين. فهي أم ولها أثرها على أبنائها، وهي زوجة ولها أثرها على زوجها، وهي ابنة معرضة للتأثر، وهكذا. أما فيما يتعلق بالمرأة المسلمة فهناك محاولات تنصيرية تغريبية دؤوبة لإخراجها من سمْتها وحشمتها، بحجة التحضر والانطلاق، ثم إقحامها في أنشطة اجتماعية وسياسية ليست بالضرورة بحاجة إليها.
وإذا تذكرنا أن من أهداف التنصير بذر الشكوك لدى المسلمين المصرين على التمسك بالإسلام، أدركنا أن من أخصب المجالات في تحقيق هذا الهدف الحديث عن موقف الإسلام من المرأة، فيما يتعلق بحقوقها وواجباتها من موازين ومنطلقات غربية وغريبة على طبيعة الإنسان بعامة، والمـرأة فيه بخاصة ولذا نجد مجموعة من الجمعيات النسائية التي تعمل على نقل المرأة من بيئة إسلامية إلى بيئة غربية خالصة من خلال التبرج والسفور، وخوض مجالات عملية مختلطة في الفن وفي الثقافة وفي الآداب، وفي الأعمال المهنية والحرفية الأخرى، مما يدخل في محاولات التغريب التي تتعرض لها المجتمعات المسلمة. وأقرب مثال على هذا جهود "قاسم أمينو"هدى شعراوي"، ثم جهود "نوال السعداوي" المستمرة في تغريب المرأة المسلمة امتدادًا للمحاولات السابقة على يد "قاسم أمين" وغيره من دعاة التغريب، تحت اسم "تحرير المرأة". والظاهر أن تلميذات "نوال السعداوي" في تزايد
والحديث عن المرأة دائمًا فيه حساسية، ويغلب عليه الجانب الإعلامي، لاسيما الصحفي، والطرح السطحي والعاطفي، وترفع فيه الشعارات، ويُساء الفهم حول بعض الطروحات، كما قد يفهم من هذا الحديث، من أن المرأة لاتصلح للأعمال الفنية والثقافية والأدبية والأعمال المهنية والحرفية. وليس الأمر كذلك، إذ الموضوع يتركز حول استغلال هذه المجالات في الخروج عن السمت المراد من المرأة، كما هو مراد من الرجل على حدٍ سواء، وإن اختلفت الطرق. تقول المبشرات المشتركات في مؤتمر القاهرة سنة 1906م: "... لا سبيل إلا بجلب النساء المسلمات إلى المسيح. إن عدد النساء المسلمات عظيم جدًا لا يقل عن مائة مليون، فكل نشاط مجدٍ للوصول إليهن يجب أن يكون أوسع مما بُذل إلى الآن. نحن لا نقترح إيجاد منظمات جديدة، ولكن نطلب من كل هيئة تبشيرية أن تحمل فرعها النسائي على العمل واضعة نصب عينيها هدفًا جديدًا هو الوصول إلى نساء العالم المسلمات كلهن في هذا الجيل". أما فيما يتعلق بالمرأة غير المسلمة فهي بحكم ثقافتها المتسمة بالانطلاق لديها القابلية لأن تُستغلَّ في جميع المجالات. وإذا أغفلنا جانب التعميم استطعنا القول إن بعض النساء على استعداد لخوض غمار الأعمال الميدانية و[الترفيهية] مادامت تحقق بها أهدافًا تنصيرية، إما بتغريرها بأن هذا يرضي المسيح عيسى بن مـريـم ــ عليهما السلام ــ ، وإما بعلمها وإصرارها المسبق بأن هذا ما ينبغي أن يكون. ولا تمثل الأعمال الترفيهية نسبة عالية في انخراط المرأة في حملات التنصير، لأن هذا أمر مكشوف ورخيص، ولكنه مع هذا يشيع في الحروب بين الجنود والأسرى المراد تنصيرهم والذي يمثل النسبة العالية في مجالات التنصير باستغلال المرأة هو عملها بكل جهد وقوة للدخول إلى مجالات النساء المستهدفات فتجتمع بهن وتقدم لهن الخدمات الصحية والاجتماعية والتربوية والثقافية الدقيقة والخاصة بشؤون المرأة فيما يتعلق بعلاقاتها الأسْرية وحملها وتربيتها لأولادها ويلقى هذا الاتجاه القبول ويرسخ في الأذهان. ولذا ينبغي إعطاؤه الاهتمام، بدلاً من أن يذهب التصور إلى استغلال المرأة في جوانب نفعية شهوانية، قد لا تنقاد إليها جميع النساء، كما هو سائر الآن. كما ينبغي تعميق النظرة إلى أثر المرأة في هذه الحملات من خلال قدرتها على التأثير وقوتها فيه، وقدرتها أيضًا على التأثر بما حولها ومن حولها ولا تزال هذه الوسيلة من الوسائل المعتمدة في "تصيُّد" الآخرين، ليس على مستوى التنصير فحسب، بل على مستويات سياسية واستخبارية، وتمارسها اليوم الدولة الصهيونية في فلسطين المحتلة مع الشباب المحيطين في هذه الدولة.
8- العــمـَّال:
استغلال العمال النصارى في المجتمعات المسلمة على مختلف مستوياتهم المهنية وتخصصاتهم من الأطباء والخبراء والممرضات والصيادلة والعمال الفنيين والحرفيين. وتتضح هذه الوسيلة جيدًا في مجتمع الخليج العربي، حيث تفد مئات الآلاف من الطاقات البشرية الماهرة وغير الماهرة وغير المدرَّبة. ويفد مع هؤلاء العمال المنصرون بثياب الطبيب والممرضة والفني والعامل. ويعملون على "تثبيت" إخوانهم النصارى و"حمايتهم" من الإسلام بإقامة الشعائر لهم، سرًّا في بعض المناطق، وعلنًآ في مناطق أخرى، كما يعملون على تنصير المسلمين من الشباب والشابات ورجال الأعمال الذين يتسم بعضهم، أو جزء كبير منهم، بالأمية الثقافية وعدم القدرة على إدراك خطر هؤلاء، كما يتسم بعضهم بعدم المبالاة ما دام هؤلاء القادمون من "الخارج" يقدمون جوًَّا ترفيهيًا ينعكس إيجابًا على الإنتاج والعمل!! ويتضح هذا جليًا في المناسبات الدينية والوطنية للبلدان الممثلة بعمالها في المنطقة، حيث يدعى الشباب المسلمون إلى هذه المناسبات التي تدور فيها أنواع من الإغراءات التي تنطلي على بعض الشباب ذوي السطحية في التفكير، أو أولئك الذين لديهم القابلية للتأثر نتيجة للانبهار بمقومات حضارية مادية. وكانت هذه الوسيلة من الموضوعات التي ركَّز عليها مؤتمر المنصرين [السادس] الذي عقد في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1400هـ الموافق سنة 1980م، حيث أكد أحد رؤساء الجمعيات التنصيرية على ذلك بقولـه: "إن الباب أصبح مفتوحًا لدخول النصرانية إلى البلاد المغلقة، وذلك من خلال الشركات الوطنية المتعددة، فهناك فرص لا حدود لها في هذا المجال بالنسبة للمنصرين، حيث الحاجة الملحة إلى مهماتهم لتطوير البلاد وبالمتابعة من قبل المعنيين بالأمر يعثر على أماكن للعبادة تُهيّأ للنصارى سرًَّا في بعض أجزاء من منطقة الخليج العربية، وعلنًا في أجزاء أخرى من المنطقة، ويعمل المخلصون على تبليغ السلطات المعنية لتتخذ الإجراءات الضرورية التي تتفق مع عقود العمل التي يوقع عليها هؤلاء والمسألة هذه مستمرة، إذ تعوَّد المنصرون في هذه المناطق عدم الاستسلام للجهات المتابعة أو للعقبات التي تعترض طريقهم، بل هي تُعدُّ مؤشِّرًا على أن هناك عملاً قائمًا منهم يستحق المقاومة
9- البعثات الدراسيـة:
استغلال البعثات الدراسية للطلبة المسلمين خارج البلاد الإسلامية. وقد اقتضت الرغبة في مواكبة السير الحضاري وجود مجموعات من أبناء المسلمين في أوروبا وأمريكا لتلقّي التعليم والخبرات، مبعوثين من حكوماتهم ومؤسساتهم داخل بلادهم. وتتعرض هذه الفئة من الطلبة إلى حملات قوية من المنصرين عن طريق مكاتب الطلبة الأجانب في الجامعات. حتى الجامعات المستقلة (غير المنتمية) في الغرب تقوم بهذه الأنواع من النشاط. وتضع برامج للطلبة من زيارات للعائلات وأوجه نشاط اجتماعية من حفلات ودعوات إلى الكنيسة أو ما يلحق بالكنيسة من الأفنية والملاعب، لاسيما في المناسبات الدينية والوطنية كذلك
وفي خارج المدن الجامعية يتلقَّف المنصرون الطلبة المسلمين بعد التعرف على عنواناتهم، والوصول إليهم، وإبداء الرغبة في خدمتهم، والوقوف إلى جانبهم والتعاطف معهم. ويتعرض الطلبة كذلك لألوان من المحاولات مثل إرسال المطبوعات، والاتصال بالهاتف، والرسائل الهاتفية "الفاكس"، والاتصال الشخصي المباشر، بموعد ودون موعد. ويكثر هذا الأسلوب لدى جماعة " شهود يهوه" التي تسعى إلى مواجهة انتشار الإسلام في الغرب وتُستغل المناسبات الدينية والوطنية في محاولة الوصول إليهم. وهناك قصص حصلت نُشر بعضها تبرز ألوانًآ من المحاولات، وصلت في نهايتها إلى الحوار المباشر، بعدما تمكن الطالب -نسبيًا- من اللغة، ومن القدرة على النقاش. وقد تمكن بعض الطلاب المسلمين من إقامة حوارات مفيدة، أسهمت في إيضاح المبهمات لدى أولئك المنصرين. وكان تأثير أولئك الطلبة أقوى - ولله الحمد- من تأثير المنصرين في الطلبة، على الرغم من الخوف من أن يكون العكس. ويُستغل ضعف بعض الطلبة المسلمين ماديًا، حيث تتبنى الكنيسة أو جمعية مدعومة من الكنيسة دعم هؤلاء الضعفاء من الطلبة، وتعمل على إيجاد فجوة بين الموسرين والمعسرين من الطلبة المسلمين، تصل إلى حد الضغينة والحسد وترسيخ هذه المفهومات في الأذهان، حتى لا تقوم بين المسلمين من الطلبة رابطة قوية كما يستغل ضيق بعض الطلبة المسلمين لعدم قدرتهم على العودة المباشرة إلى بلادهم، بسبب سوء الأحوال السياسية والاقتصادية، والبحث عن إقامة نظامية في البلاد الغربية التي تتم غالبًا عن طريق الزواج بمواطنة من البلد، إما أن تكون ذات ميول نصرانية قوية، أو ينشأ عندها الميول عندما تدرك أنها اقترنت برجل يختلف عنها دينًا وثقافة. وتكون نتيجة هذا الزواج إنجاب الأطفال، ثم يحصل عادة فراق، فتكون رعاية الأطفال، نظاما، لأمهم، فتأخذهم إلى الكنيسة اقتناعًا أو قصدًا إلىكيد الأب. ويستمر الصراع على هذه الحال. وهذا على افضل الأحوال. وربما يرضى الزوج بأخذ أولاده إلى الكنيسة، بل وذهابه هو معهم والانخراط في أوجه نشاطها، ولو لم يتم الإعلان الرسمي (التعميد) عن التنصُّر.
وفي أحوال أخرى تسلم الزوجة وتستقيم الأمور، عدا المضايقات من الأهل والأقارب من جانب الزوجة على الغالب. وذكري لهذه الحالات قائم على معايشتها. تقول آمال قرامي في معرض حديثها عن أسباب تنصُّـر المسلم: "ولا مناص من القول إن البعثات الدراسية إلى الخارج يسرت عملية اندماج المسلم في المدنية الغربية، ومكنته من الاطلاع على ديانات مختلفة وحضارات متعددة، وأكسبته شيئًا من أساليب الحياة الغربية، ومن الاتجاه الغربي في التفكير والعلم والسلوك وما إلى ذلك. ومن ثمة صار "الارتداد" ممكنًا، خاصة إذا علمنا أن المبشرين كانوا حريصين على تتبع أحوال هؤلاء الطلبة، واستغلال حالة الوحدة والعوز التي يعاني منها أكثرهم، لفائدة تحقيق أغراض التبشير".
10- الاستشــراق:
استغلال المؤسسات العلمية التي تقدم دراسات عن العالم الإسلامي والعرب والشرق الأوسط. وهذه الظاهرة نشأت على أيدي كهنة وخدم للكنيسة، وأخذت مصطلح الاستشراق الذي يتولّى الجانب العلمي في نزع سلطان الدين الإسلامي من النفوس. وطلائع المستشرقين انطلقوا من الكنائس والأديرة وإسهاماتهم موجهة إلى المفكرين والمطلعين والمثقفين وهم لايدعون صراحة إلى النصرانية، بل إنهم يتهربون من إلصاق النصرانية بهم، ولكنهم يحققون أهداف المنصرين في حملاتهم ضد الإسلام التي كانت أكثر صراحة مما هي عليه الآن، وكذلك في منهجهم المتأخر القائم على التخصص، ونبذ الأحكام العامة والسريعة، التي بدأها أسلافهم، التي كانوا فيها صريحين في محاربة الإسلام ونبي الإسلام - عليه الصلاة والسلام -. وليس كل المستشرقين المتأخرين على هذه الشاكلة، ولكن لا تزال طائفة منهم تسير على المنهج الذي رسمه لهم أسلافهم مما يخدم المعتقد النصراني من خلال دراساتهم للإسلام والعلوم والثقافة الإسلامية وتراث المسلمين. وبقدر ما يخدم المستشرقون انتماءاتهم الدينية والثقافية ينالون الدعم المعنوي والمادي. وإذا ما مال أحدهم إلى الإنصاف وجد عنتًا وتنكُّرًا من الجمعيات والمؤسسات المهتمة بدراسة الإسلام والمسلمين في المجتمع الغربي.
11- اليهــــود:
عمل اليهود على مؤازرة التنصير عندما تحولت النصرانية على يد "شاؤول" أو "بولس" إلى خليط من الثقافات السابقة عليها، بما فيها اليهودية المحرّفة فكان هذا التآزر بين اليهودية والنصرانية في المجتمعات المسلمة وغير المسلمة يبرز بوضوح عندما تحتدم المشكلات المحلية أو الإقليمية، ويكون لإحدى النحلتين ضلع فيها، كما برز في الحرب الأهلية اللبنانية، وكما يبرز في حرب السودان ضد المتمردين النصارى في الجنوب وكما برز كذلك في الحرب على المسلمين في البوسنة والهرسك، وفي كوسوفا الألبانية. وتعمل المؤسسات اليهودية داخل فلسطين المحتلة وخارجها على تعضيد التنصير وتحقيق بعض أهدافه التي تتفق مع المنطلقات والمصالح اليهودية الراسخة في العقيدة من أن الآخرين خدم لليهود وعالة عليهم، كما هو مصرح به في بروتوكولات حكماء صهيون، يقول عجّاج نويهض مشيرًا إلى أساليب اليهود في ترسيخ وجودهم وتأثيرهم: "حتى إذا انطلقوا بعد الثورة الفرنسية يضعون مخططًآ قائمًا على أساسين، كان هذان الأساسان هما: 1- عقيدة أنهم شعب الله المختار. 2- عقيدة أن هذا الشعب المختار يستطيع أن يفسد العالم ويعطله ويخرّبه ليقيم على أنقاضه ملكًا يهوديا داوديا، يتفرد بحكم العالم بأسره، وما الأمم والشعوب إلا حيوانات متخلفة العقل والذهن والفهم... أما عقيدتهم أنهم شعب مختار فالإشارة إليها وإلى الماسونية شيء كثير في البروتوكولات. وأما قدرتهم على أن يصلوا إلى نهاية مبتغاهم، فنحسب أن القطار قد فاتهم؛ ولكن قد يطول بالعالم الأمريكي والبريطاني الأمد وهو مخدر تخديرًا يهوديا، وأهم عوامل هذا التخدير ليس الذهب والمرأة والجاسوسية، بل التنصر ظاهريًا والبقاء على اليهودية باطنًا. وقد أكثر اليهود من استعمال هذه الخدعة بعد طردهم من البرتغال وإسبانيا وقيام مجلس التفتيش عليهم بالعذاب المعلوم. وهكذا كان إسلام اليهود الذين جاؤوا المملكة العثمانية بعد القرن الخامس عشر فأسلموا وسمُّوا بالدونمة أي المهتدين." وتسعى المؤسسات اليهودية كذلك من خلال إقحام الإرساليات إلى التأثير على العلاقات بين المسلمين والنصارى العرب في عدة محاور، ومنها رفض الوجود اليهودي في فلسطين المحتلة وقد ظهر في صفوف المنصرين يهود منصرون، وعمل بعضهم في المنطقة العربية. ويذكر أن "السموءل (صاموئيل) زويمر" وعائلته كانوا يهودًا، وأن "زويمر" نفسه مات على اليهودية. وهو يعد من أبرز المنصرين في المنطقة العربية، ويكثر ذكر اسمه عند أي حديث عن التنصير في المجتمع العربي. وقد آزره في هذا فريق من المنصرين الذين كانوا يعملون معه في المنطقة نفسها، وفيهم أخوه "بيتر" وزوجته "إي. لو زويمر".
ويخفي اليهود انتماءاتهم اليهودية وينخرطون في أعمال دينية قد تصل أحيانًا إلى التظاهر بالإسلام قصدًا إلى الإسهام في مصادرته، والتظاهر بالنصرانية من باب أولى، نظرًا لما للنصارى من قبول في المجتمع المسلم أكثر من قبولـه لليهود. وهـذا يحقق لليهود أهدافًا أبرزها رسوخ اليهود في فلسطين المحتلة مدة أطول مما لو جابههم المسلمون بإسلامهم.
12- المنظمات الدولية:
الأصل في المنظمات الدولية على اختلاف اهتماماتها وتخصصاتها أن تلزم الحياد فيما يتعلق بالأديان والثقافات، وأن تؤدي مهماتها المناطة بها، دون النظر إلى استغلال نفوذها سياسيًا واقتصاديًا لتحقيق أغراض سياسية وثقافية لأعضاء في هذه المنظمات على حساب الأعضاء الآخرين. وواقع الحال أن الأحداث تُثبت بجلاء أكثر مع الأيام أن المنظمات الدولية على اختلاف مهماتها تخدم النظرة الغربية للعالم الآخر. وأنها تسير حسب التوجيهات الغربية في التعامل مع الآخرين.
وقد يكون من الأسباب الظاهرة أن الدول الغربية بعامة هي التي تدعم هذه المنظمات ماليًا, وتتحمل جزءًا كبيرًا من ميزانياتها، وتتبنى مشروعاتها، ولذا فإن الدول التي تدعم أكثر تنال تأثيرًا أكبر. وقد تناقلت الأخبار وجود أسلحة داخل أكياس القمح المرسلة من منظمة إغاثية دولية إلىجنوب السودان، حيث المتمردون بقيادة "جون جرنج" ورفاقه، ومن انشقَّ عنه أخيرًا. وكذا الحال في المجتمعات المسلمة الأخرى. وإذا لم تكن الصورة بهذا الوضوح فإن التوجُّه لهذه المنظمات يُرسِّخ الفكرة الغربية في كل أوجه النشاط. ومن ذلك أوجه نشاط المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، ومنظمة الصحة العالمية، وجمعية رعاية الطفولة (SOS)، وغيرها من المنظمات التي تسعى إلى ترسيخ الفكرة الغربية على جميع أوجه النشاط، أو لنَقُلْ تنظر إلى جميع المجتمعات بنظرة غربية لا تتفق بالضرورة مع هذه المجتمعات التي تخدمها المنظمات الدولية. ولعل هذا يدخل في باب "لكل شيء ثمن". ولا يغيب عن البال ممارسات المنظمات الدولية السياسية وغيرها تجاه المسلمين في البوسنة والهرسك، والتردد الواضح في اتخاذ قرارات حاسمة لنصرة المظلوم، على غرار ما حدث في منطقة الخليج العربية في الآونة الأخيرة، عندما غزت العراق جارتها الكويت في 11/1/1411هـ الموافق 2/8/1990م، وعلى غرار ما يحدث في مواقع أخرى من العالم الإسلامي الذي يتعرض لويلات الحروب, ويقول في هذا "جورج ليونارد كاري" رئيس الكنيسة الإنجيلية في بريطانيا، في محاضرة ألقاها في جامعة الأزهر في "تشرين الأول 1995م": "وهنا أشعر أنه عليَّ أن أشير صراحة إلى الصراع في يوغسلافيا السابقة، فقد شاهدنا بهلع شديد المد المقيت للصراع العرقي في البوسنة والهرسك، والتطهير العرقي الشائن، وجرائم العنف التي اقترفت بحق النساء والأطفال، وتدمير المساجد وأماكن العبادة، وإنني أتفهم مخاوف المسلمين من أن يكون الغرض من ذلك هو محو الإسلام من أوروبا التي استقر فيها".
13- الترجمــــة:
وتعد الترجمة من الوسائل المهمة لتحقيق أهداف التنصير والمنصرين، إذ انطلقت ترجمة معاني القرآن الكريم في القرن السادس الهجري، منتصف القرن الثاني عشر الميلادي (1143م) لأغراض تنصيرية، ورعتها الكنيسة والأديرة على يد الراهب الكلوني" آبت" رئيس الأديرة الذي بدأ الفكرة سنة 1141م، حيث رحل من فرنسا إلى إسبانيا، وكلف "كتنفريز" في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللاتينية. إلا أنَّ الترجمة ظلّت حبيسة الدير بجنوب فرنسا حتى سنة 1543م ثم انطلقت الترجمات للتراث العربي الإسلامي لخدمة هذه الأغراض التنصيرية، حتى مر الزمان. وتلاشى الدافع التنصيري تدريجيًا من المنطلقات الاستشراقية، على ما مر ذكره في الفقرة العاشرة من هذا الفصل وفي المقابل تكشفت ترجمة الإنجيل إلى اللغة العربية "من خلال الإرساليات في القرن الثامن عشر، ولا تزال الترجمة الحالية من نتاج جهود علماء ومترجمي بلاد الشام وتبع ذلك ترجمة التراث الكنسي إلى اللغة العربيةوتؤكد "آمال قرامي" في معرض استعراضها لأسباب تنصُّر المسلم على جانب ترجمة الإنجيل، حيث تقول: " لقد حرضت الإرساليات التبشيرية على ترجمة " الأناجيل" إلى عدة لغات، حتى لا ينفر المسلم من قراءتها. ففي المغرب استطاعت "جماعة الأناجيل البريطانية" أن توزع نسخًا كثيرة من الأناجيل المترجمة إلى اللغة العربية والبربرية، وعرف التبشير البروتستاني بفضل هذه الجماعة دفعًا في المنطقة بين سنتي 1883هـ-1889م".
14- التبـادل الثقافي:
التبادل الثقافي يعدُّ إحدى الوسائل المهمة والمختفية للتنصير. وتقوم معاهدات واتفاقيات ثقافية بين بلاد المسلمين والبلاد الأجنبية، يكون نصيب المسلمين منها غالبًا عرض " الفلوكلور الشعبي" من رقص وغناء ولباس الذكور والإناث، وأكلات شعبية وصناعات يدوية ونحوها، وقد يسمح بتوزيع كتيبات ونشرات وشرائح وأفلام عن البلاد العارضة ونهضتها المادية. ويكون نصيب البلاد الأجنبية إقامة المراكز الثقافية الدائمة، واستقطاب رجال الفكر والثقافة من أبناء البلاد نفسها، وجلب المحاضرين من مفكرين وأساتذة جامعات ورجال سياسة وقانون، وكل ذلك قائم على استراتيجية واضحة وخطط محددة قابلة للتنفيذ على المدى البعيد، مما يدخل في مفهوم" نظرية المؤامرة" التي نحاول تجاهلها نظريًا، ولا نملك عمليًا إلا الإقرار بها. وتعمل هذه المراكز على إيجاد قوائم للمراسلة، وتتابع ذوي التأثير على المجتمع وتزودهم بالمطبوعات والنشرات والأشرطة المسموعة والمرئية المسموعة، وتدعوهم للمناسبات الاجتماعية والوطنية، وبعضهم للدينية النصرانية التي تمر على بلادهم. وكل هذه وسائل تتغير وتتبدل وتطوَّع بحسب ما يقتضيه المقام، ويتناسب مع الأشخاص المستهدفين.
ولعل معظم أوجه النشاط الفني والرياضي تدخل في المفهوم العام للتبادل الثقافي، وهناك خطوات عملية فنية ورياضية واضحة فيها رائحة التنصير. وتستغل هذه المعاهدات الثقافية للوصول إلى أوساط الشباب من خلال أوجه النشاط الرياضية الدولية والإقليمية والمحلية، توزع فيها النشرات والأشرطة والكتاب "المقدس". وتحشد الميزانيات الهائلة لهذه الوسيلة. ويظهر هذا بجلاء في المباريات الدولية، حيث يحضرها مئات الآلاف ويشاهدها مئات الملايين. حتى لو لم يصل الأمر إلى هذا التصور الواضح، فإن استغلال هذه المباريات بالتنصير لا يمكن تجاهله، وظهر هذا واضحًا في كأس العالم لعام 1423هـ/2002م في اليابان وكوريا، حيث ظهر ذلك جليًا على الفنائل التي لبسها اللاعبون تحت فنيلة الرياضة. وأبرزوها لآلات التصوير "الكاميرات"، وركزت عليها بعض هذه الآلات بصورة جلية، ليس فيها بالضرورة خبث، ولكن فيها تعاطف مع هؤلاء الذين ربطوا الفوز في المنافسات الرياضية بعيسى بن مريم - عليهما السلام-. هذا عدا عن الوسائل الأخرى التي اتضحت لمن تابعوا هذا النشاط الدوري، ولمن حضروه في كل من اليابان وكوريا، وسيظهر كذلك مع مايأتي من مسابقات رياضية مختلفة.
15- التجـارة والاقتصـاد:
للتجار ورجال الأعمال جهود واضحة في نقل الأفكار. ونحن نعلم أن الإسلام قد انتشر في آسيا وأفريقيا عن طريق التجارة بالدرجة الأولى. والتجار ورجال الأعمال الغربيون يحملون معهم أفكارهم إلى بلاد المسلمين، ويعملون على خدمة الكنيسة في مجالهم، دون وضوح بارز. وهذا ما فعله الفرنسيون في لبنان وسورية، والمغرب العربي، وجنوب الصحراء الكبرى، في البلاد التي احتلوها. يقول "أنيس صايغ" في كتابه لبنان الطائفي: "كانت فرنسا تعتبر نفسها حامية المسيحيين في الشرق، وخاصة الموارنة في لبنان، ودعمت فرنسا هذه السياسة المستترة بثوب ديني يتعهد العلاقات التجارية والإرساليات التبشيرية بين لبنان وفرنسا. فقد ضاعفت فرنسا عنايتها بأمور التجارة، وأرسلت القناصل وأسست المكاتب والمراكز الثابتة لتسهيل أمورها".
ولا تزال هذه الوسيلة سارية المفعول، لاسيما مع إصرار معظم الدول الإسلامية على الانخراط في ركب الحضارة المادية الحديثة، في الوقت الذي لاتزال تعاني فيه من نقص في الخبرات البشرية المحلية والإمكانات المادية، فتضطر إلى الاقتراض وجلب الشركات الأجنبية بعمالها وإدارتها الأجنبية. وربما استخدمت الشركات بعض العاملين المحليين، وأملت عليهم أنماطها الإدارية، ودخلت من خلالها إلى ما تريد.
وليس جديدًا على الساحة التجارية أن يأتي بعض الذين يخدمون أغراضًا دينية أو سياسية بثياب التاجر. وهذه الوسيلة تثبت مع الوقت جدواها، وكذلك بعدها عن الاكتشاف، إذ يشيع بين الناس أن العلاقات في هذا المجال مع الآخرين تجارية لا تتعدَّى التبادل التجاري والمصالح التجارية. وأظن في هذا التفكير شيئًا غير يسير من السذاجة والسطحية. فالآخرون يخدمون مصالح بلادهم الاستعمارية والدينية كما يخدمونها اقتصاديا، ويقدمون هذه الخدمات من باب الولاء للبلاد وساستها وقادتها الروحيين. ولعل أقرب مثال ما قام به رجل الأعمال اليهودي من الولايات المتحدة الأمريكية "آرموند هامر" في الاتحاد السوفييتي سابقًا، والجمهوريات الروسية الحالية، من عمل على توجيهها الوجهة الغربية في الجانب السياسي والثقافي والديني كذلك، رغم يهوديته. وقد نجح في جهوده، ورأى نتائجها قبل رحيله.
16- الإعــــــلام والاتصالات:
وسائل الإعلام من إذاعة وصحافة وتليفزيون وسينما ومسرح، بالإضافة إلى وسائل الاتصال ونقل المعلومات، كلها تسهم في حملات التنصير، وهي من الوسائل المختفية. أما الوسائل الإعلامية الصريحة فهذه موجودة وكثيرة وتوجه إلى عدة لغات، وتغطي عددًا كبيرًا من ساعات البث وقد بدأت الإذاعات تدخل في الشبكة الدولية "الإنترنت"، ولا يستبعد، بأي حال، أن تستغل في التنصير، لأنها وسيلة فاعلة وقابلة للانتشار السريع، والوصول إلى آماد بعيدة. يقول أحمد عبد الرحيم السايح: " إنّ المجتمعات الإسلامية تعاني من التسلط البشري في الصحافة وسائر وسائل الإعلام ووكالات الأنباء, وتعاني في البيت وفي الشارع وفي أمور كثيرة, قد يتعرفها البعض ويسكت, وما أكثر الساكتين؛ لأنهم لا يملكون أن يقولوا شيئًا
أما الوسائل الإعلامية غير الصريحة فتأتي ضمن المسلسلات والأفلام والبرامج الوثائقية والتعليمية، التي تطبع دائمًا بنمط العيش الغربي بما فيه من ثقافة وممارسات دينية لا تخلو منها المصطلحات والأمثال والسلوكيات. حتى أفلام الصور المتحركة (الكرتون) الموجهة للأطفال تصبغ بهذه الصبغة، التي تشعر المتابع أحيانًا أنها مقصودة متعمدة. وتعمد إلى تأليف المشاهدين والمستمعين والقرَّاء على الثقافة الغربية، التي لم تستطع التخلص من التأثير الديني عليها في معظم سلوكياتها ومُثلها ومبادئها. بل ربما لا تريد التخلص من هذا التأثير الديني، وتسعى إلى تعميقه وترسيخه مادام سيحقق تبعية ثقافية تقود إلى تبعيات أخرى.
ويقول "فريد د. أُكوورد" في بحث له عن "الإرسال الإذاعي الحالي الموجَّه للمسلمين": "إن اللغة الإنجليزية مهمة لكل عربي يرغب في متابعة تعليمه أو يودُّ الهجرة، ولقد كتبنا إلى هيئة الإذاعة البريطانية التي لديها سلسلة ممتازة من برامج تعليم اللغة الإنجليزية للناطقين بالعربية. ولقد منحتنا السلسلة وأذنت لنا بتقديمها عبر إذاعتنا، وقد أجرينا بالفعل تعديلات على السلسلة استخدمناها "كطُعْم"، وفي الختام كنا نتوجه بالسؤال عما إذا كان المستمع يرغب في نسخة مجانية من كتاب يحتوي على العربية والإنجليزية جنبًا إلى جنب، وعندئذ نرسل لـه نسخة من الإنجيل بالعربية والإنجليزية" وتعد القاهرة وبيروت ثم الخرطوم من أكبر المدن في المحيط الإسلامي التي تسهم في هذه الوسيلة الإعلامية من خلال استغلال الصحف المأجورة في أكثر الأحيان، وغير المأجورة في أحوال نادرة. هذا عدا الصحف ووسائل الإعلام الأخرى والإذاعات الصريحة التي تنشر التنصير. وهناك عددٌ من القنوات الفضائية التنصيرية انتشرت في الساحة العربية والإسلامية, لا يمكن تجاهلها.
والإعلام والاتصالات يعد من الوسائل الحديثة غير التقليدية، لاسيما في مجالات استغلال تقنية الاتصال وتقنية المعلومات، بحيث يمكن من خلال استغلال البث المباشر بث المواعظ والخطب والبرامج التنصيرية الموجَّهة، التي يمكن تقنيًا مشاهدتها في جميع المجتمعات التي وصلت إلى مستوىً تقني متقدِّم. ولا يقتصر الأمر على هذه المجتمعات، بل تنقل التقنية إلى المجتمعات الأقل تقدُّمًا من خلال إحداث محطات محلية (إف إم.) (FM) صغيرة تنصيرية، تبث هذه البرامج الإعلامية. وكذا الحال مع الأجهزة الشخصية العارضة للأفلام والبرامج الجاهزة كأجهزة (الفيديو) وغيرها من الوسائل الناقلة للمعلومات، بالإضافة إلى استغلال تقنية المعلومات الحديثة مثل البريد الإليكتروني، وشبكات المعلومات القابلة للاشتراك الشخصي، مثل الشبكة الدولية "الإنترنت". وبالتالي " تعد وسائل الإعلام من أهم العوامل التي ساهمت في التعريف بالمسيحية وإظهارها في صورة مشوِّقة. وقد آمن المبشرون بدور القنوات الإعلامية فأحكموا استغلالها حتى نجحوا في استمالة عدد من المسلمين
17- المنـح الدراسيــة:
المنح الدراسية وسيلة من وسائل التنصير المختفي، ذلك أن بعض المنظمات التنصيرية تختار من النجباء ومن يتبين عليهم قسط عالٍ من الذكاء، وتسهل لهم مواصلة دراساتهم الجامعية والعليا في الغرب، وترعاهم بالمنح المباشرة، أو بإعطائهم الإعانات المقطوعة، أو الإسهام في بعثهم إلى الجامعات والمعاهد العليا.
ومن جهة أخرى يجد العائدون من البعثات الخارجية إلى البلاد الإسلامية المجالات أمامهم مفتوحة في كثير من هذه البلدان، لما يتوقّع منهم من الإسهام في تنمية البلاد، بجهودهم العلمية التي اكتسبوها من البعثات، كما هو مضمون حديث "جاردنر" السابق ذكره
ومن هذا المنطلق تقوم محاولات للتقليل من إعطاء المنح الدراسية في الجامعات العربية والإسلامية، لاسيما في البلاد العربية الغنية بمؤسساتها العلمية والتعليمية ومواردها الطبيعية. كما تقوم المحاولات للحد من انتشار تأثير هذه المؤسسات التعليمية من خلال التضييق على المتخرجين منها، عندما يعودون إلى بلادهم، فلا يجدون عملاً يرتزقون بواسطته.
18- التنميـــة:
ومن الوسائل الحديثة إسهام الجمعيات التنصيرية في مجالات التنمية تحت شعار "من الكنيسة إلى المجتمعات". وقد أنشئت لهذا الصدد لجان مثل هيئة مجلس الكنائس للإسهام في أعمال التنمية، "وتعمل هذه الهيئة في حقول التنمية المتنوعة المختلفة، مثل إقامة القرى الزراعية، وعقد الدورات التدريبية المهنية لمختلف التخصصات التقنية والفنية، وتقديم القروض المباشرة إلى الفلاحين عن طريق مؤسسات (وحدات الإقراض) ومشروعات التهجير الداخلي للسكان وغير ذلك
وتسهم هذه الهيئات إسهامًا مباشرًا في هذه المجالات، ومن خلال هذا الإسهام تسعى الجمعيات إلى تحقيق بعض الأهداف. ولو لم يكن إلا الإسهام هدفًا لكان كافيًا في إشعار المجتمعات أن المنصرين إنما يسعون إلى رخاء المجتمعات، وإخراجها من أسْر التخلف والجهل وقلة الإمكانات. هذا عدا عما يصحب مدة الإسهام من اتخاذ وسائل أخرى تكون مقاومتها غير ميسورة، إذا ما أُشعر الأهالي أو الحكومات أن التصدي لها فيه مدعاة إلى التخلي عن الإسهام في مجالات التنمية بمشروعاتها المختلفة. وقد تعرَّضت السودان وأفغانستان وإندونيسيا إلى ضغوط رسمية دولية عندما سعت إلى إخراج بعض المؤسسات التنصيرية من السودان. وكانت الضغوط صريحة بقطع الإعانات والقروض إذا ما تمَّ الإبعاد.
19- التقويـم المستمـر:
السعي دائمًا إلى تقويم الأساليب, والاستمرار في المؤثر منها، وطرح تلك التي عفا عليها الزمن. وكان هذا من أهم الأهداف التي جاء بها مؤتمر كلورادو بالولايات المتحدة الأمريكية الذي عقد سنة 1398هـ - 1978م، حيث سعى إلى تطوير أساليب تنصيرية تتماشى مع معطيات العصر الحديث وتطوراته. فاقترح المؤتمرون في هذا المؤتمر أساليب ووسائل ليست كلها جديدة بحتة، ولكنها تطوير لأساليب ووسائل تقليدية ألبست لباس العلمية والدراسة والتخطيط المسبق، كأسلوب الفلاح، واختيار التربة والتأثير النفسي، وإيقاظ اللغـات واللهجات المحلية بترجمة الإنجيـل إليها، والمطبوعات والبث الإذاعي والإعلامي بعامة، والحلقات الدراسيـة بالمراسلة، والاهتمام بمشكلات الشعوب الإسلامية، والحوار الإسلامي النصراني على الطريقة النصرانية التي ترفض التخلي عن مسلمات تريد فرضها في الحوار وعلى المحـاورين من المسلمين. والحوار سلاح ذو حدين، فكما يعدونه وسيلة للتنصير نعده نحن وسيلة للمواجهة وللدعوة بحسب النظرة إلى الحوار وأصولـه وطرقه ومنطلقـه ومع الوسائل المباشرة التي اتخذها المنصرون في سبيل الوصول إلى المجتمعات الإسلامية، وغير الإسلامية، نجد أن هناك ظروفًا تهيأت للمنصرين، وهيأت الطريق للتوغل في المجتمعات الأخرى، وقد ساندتهم في تحقيق أهدافهم التنصيرية. ومن هذه الأساليب ماهو قديم طارئ ومنتهٍ، ومنها ماهو قديم يتجدد، ومنها كذلك ماهو جديد لم يكن لـه وجود من قبل. ومن أبرز الوسائل المساندة للتنصير والمنصرين الآتي:
1- الاحتـــلال:
الوسيلة المساندة الأولى والأقوى -فيما يبدو لي- هي الاحتلال (الاستعمار). وقد دعا المنصرون المستعمرين إلى احتلال البلاد الإسلامية وغير الإسلامية، وعندما احتُلت البلاد ذلل المحتلون العقبات أمام المنصرين، واستطاعوا أن يقيموا مؤسساتهم في بلاد المسلمين بكل سهولة. وقد قيل: إنَّ كون التنصير والاحتلال وجهان لعملة واحدة يعدُّ حقيقة أثبت التاريخ صدقها. وحين يحطُّ الاحتلال في أرض قوم يبادر إلى إقامة الكنائس فيها
والتآزر بين المحتلين والمنصرين جانب فرضته الكنيسة، وجعلته مجالاً للانتقام لأولئك الذين أُخرجوا من فلول الحملات الصليبية، ولذا قيلت العبارة المشهورة في القدس، في العقد الرابع من القرن الرابع عشر الهجري، الثاني من القرن العشرين: "اليوم انتهت الحروب الصليبية وقريب من هذا ما قاله الجنرال "غورو" عندما دخل دمشق الشام، ووقف على قبر "صلاح الدين الأيوبي"، وقال: "ها قد عدنا يا صلاح الدين
وقد وقف المنصرون ورجال السياسة (المستعمرون) وجهًا لوجه حول أي الفريقين يجب أن يتقدم الآخر. والمعروف في التاريخ أن المنصرين هم الذين يدخلون البلاد أولاً، ثم يتلوهم المستعمرون. إلا أن المنصرين رغبوا في تَقَدُّم الجيوش عليهم مع بداية القرن الثالث عشر الهجري- التاسع عشر الميلادي، وذلك بعد أن أدرك الحكام المحليون أن دخول المنصرين يعني احتلال البلاد، فيجد المنصرون من ذلك عنتًا ومشقة. وكان المنصر "واطسون" قد اقترح أن تتعاون الحكومات الغربية في سبيل منع انتشار الإسلام بين القبائل الوثنية في أفريقيا، حتى تكون مهمة التنصير أهون عندما يزول المنافس (الإسلام)، ولايزال المنصر